هِتافٌ في وادي نخلة


أُخرج محمدٌ المعصومُ r من مكة حيث أهلُه وأبناؤه ودارُه ووطنُه ، طُردُ طرداً وشًرِّد تشريداً ، والتجأ إلى الطائفِ فقُوبل بالتكذيبِ وجُوبِه بالجحودِ ، وتهاوتْ عليه الحجارةُ والأذى والسُّ والشتمُ .

فعيناه بدموع الأسى تكِفانِ وقدماه بدماءِ الطهرِ تنزفانِ ، وقلبُه بمرارةِ المصيبة يَلْعَجُ ، فإلى من يلتجئ ؟ ومن يسألُ ؟ وإلى من يشكو ؟ وإلى من يقصدُ ؟ إلى اللهِ إلى القويِّ إلى القهارِ ، إلى العزيزِ ، إلى الناصرِ .

استقبل محمدٌ r القبلة ، وقصد ربَّ ، وشكر مولاه ، وتدفَّق لسانهُ بعباراتِ الشكوى وصادقِ النجوى وأحرِّ الطلبِ ، ودعا وألحَّ وبكى ، وشكا وتظلَّم وتألَّم .

المآقي من الخطوبِ بكاءُ


والمآسي على الخدودِ ظِماءُ


وشفاهُ الأيامِ تلثمُ وجهاً


نَحَتَتْهُ الرعودُ والأنواءُ


اسمع سؤال النبي r مولاهُ وإلهه ليلة نخلة ، إذْ يقول : (( اللهم إني أشكو إليك ضعْف قوتي وقِلَّة حيلتِي وهواني على الناسِ ، أنت أرحمُ الراحمين، وربُّ المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكِلُني ؟ إلى قريبٍ يتجهَّمُني ، أو إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري ، إن لم يكن عليَّ غَضَبٌ فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لُي ، أعوذُ بنور وجهِك الذي أشرقتْ له الظلماتُ ، وصَلُحَ عليه أمرُ الدنيا والآخرةِ ، أن ينزلُ بي غَضَبُك ، أو يحلَّ بي سخطُك ، لك العُتْبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بكَ )) . 


كتاب لاتحزن لعائض القرني 

تعليقات

المشاركات الشائعة