الله جميل يحب الجمال



وقوله في الحديث ‏:‏ ‏ « ‏إن الله جميل يحب الجمال‏ » ‏ يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث ‏.‏ ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء كما في الحديث الآخر‏:‏ ‏ « ‏إن الله نظيف يحب النظافة‏ » ‏ ‏.‏ وفي الصحيح ‏:‏ ‏ « ‏إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا‏ » ‏ ‏.‏ وفي السنن ‏:‏ ‏ « ‏إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده‏» ‏ ‏.‏وفيها عن أبي الأحوص الجشمي، قال ‏:‏ ‏ « ‏رآني صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار، فقال‏:‏ هل لك من مال‏؟‏ قلت نعم، قال‏:‏ من أي المال‏؟‏ قلت‏:‏ من كل ما آتى الله من الإبل و الشاء ، قال ‏:‏ فلتر نعمته وكرامته عليك‏» ‏‏.‏

فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده، فإنه من الجمال الذي يحبه، وذلك من شكره على نعمه، وهو جمال باطن فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها‏.‏ ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم ، وتقوى تجمل بواطنهم فقال‏:‏ ‏ «‏يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ‏» ‏ الأعراف ‏:‏ الآية 26 ‏، وقال في أهل الجنة ‏:‏ ‏ «‏ولقاهم نضرة وسرورا، و جزاهم بما صبروا جنة وحريرا‏» ‏ الإنسان ‏:‏ الآية 11- 12‏، فجعل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير، وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة ، يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة، فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله‏.‏ ولكن ضل في هذا الموضوع فريقان‏:‏ فريق قالوا كل ما خلقه جميل فهو يحب كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا، قالوا‏:‏ ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة ‏.‏ وأنشد منشدهم‏:‏

وإذا رأيت الكائنات بعينهم * * * فجميع ما يحوي الوجود مليح



واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏ «‏الذي أحسن كل شيء خلقه‏» السجدة‏:‏ الآية رقم ‏:‏ ‏‏7‏‏ ، وقوله‏:‏ ‏ «‏صنع الله الذي أتقن كل شيء‏» ‏‏ النمل ‏:‏ الآية رقم ‏:‏ ‏88‏ ، وقوله ‏:‏ ‏ «‏ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت‏» ‏ الملك ‏:‏ الآية رقم ‏:‏ ‏‏3‏ والعارف عندهم هو الذي يصرح بإطلاق الجمال ولا يرى في الوجود قبيحا‏.‏ وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله، فيتعبدون بفسقهم وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها ‏.‏ وإن كان اتحاديا قال هي مظهر من مظاهر الحق ويسميها المظاهر الجمالية‏.‏


الفوائد_الإمام شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية

تعليقات

المشاركات الشائعة